Sunday 23 September 2018

3 - بُعد السلام بين الجيران

3 - بُعد السلام بين الجيران[i]

أما البعد الثالث فيتضمّن السعي الحثيث لإحلال السلام في المجتمع طريقاً للتكافل والتعاضد، حيث شرّع الإسلام حقوق الجار بشكل شموليّ منقطع النظير لم يشهده أي تشريع آخر في العالم، وذلك نظراً لأهميّة الجار ودوره في إحلال السلام في منطقته: المبنى أو الحي أو الشارع أو الناحية وحتىّ القرية والمدينة، وذلك تحت قاعدة عامة تحكم كافة علاقات المسلم بالغير: التعاون على البرّ والتقوى، والتناهي عن الإثم والعدوان، والتسابق إلى الخيرات.
وجمع الخالق جلّ جلاله بين عبادته وبين الإحسان إلى خَلقِه ذاكراً (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ)[ii] تحديداَ. وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن الجار تكاد تكون حقوقه مثل حقوق أفراد العائلة بإستثناء الإرث[iii]. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم إكرام الجار[iv] والإحسان إليه وعدم إيذائه من علامات كمال الإيمان، ونفاه عمّن لا يأمن جاره شرّه[v]، وعمن لا يحبّ لجاره ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه[vi]. بل بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن خير الناس وأفضلهم هو خيرهم لجاره وصاحبه[vii]، وأن من يحسن إلى جاره، أيّ جار، يكون مؤمنًا[viii]، كما أوصى بالصبر على أذاه وعدم رده عليه[ix].
وشرّع للجار حق الشفعة في ملك جاره عمن سواه[x]، كما كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ في دعائه من شر جار المقام[xi]، ويحث على إهداء الجار بشكل عام، كلّ على قدر إستطاعته ولو كانت الهدية رمزيّة زهيدة الثمن، إذ تبقى مدخل للمحبة بين الناس ورافعة للبغضاء[xii]، بل وجعل صلى الله عليه وسلم من ثناء الجيران على جارهم مقياس له يعرف به نفسه[xiii]. وحذّر الرسول صلى الله عليه وسلم من فظاعة الإساءة إلى الجار، وهي من خصال الجاهلية[xiv]، والتي بيّن أنها توازي أكثر من عشرة أضعاف الإساءة نفسها لغير الجار[xv]، بل من الكبائر[xvi].
والهدية ليست فقط للجار الفقير المحتاج، بل هي أشمل من ذلك بكثير[xvii]، فقد أُهدي للنبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لو أراد المزيد من الرزق لدعا الله فأعطاه ما شاء، لكنّه كان يهدي للناس ويقبل الهدية، ويستغني بها هو وأزواجه أياماً بل أشهرا عديدة، كما كانت أم المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها تَقُول لابن أختها[xviii].
والجيران ثلاثة: 1 ـ جار له ثلاثة حقوق، وهو الجار المسلم القريب: حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة 2ـ جار له حقّان، وهو الجار المسلم: حق الجوار، وحق الإسلام 3ـ جار له حق واحد، وهو الجار الكافر[xix].


[i]  حقوق الجار في الشريعة الإسلامية، من موقع طريق الإسلام
[ii]  (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (النساء/36).
[iii]  قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) الراوي: عائشة أم المؤمنين | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 6014 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[iv]  ((من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقلْ خيرًا أو ليصمتْ. ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليكرمْ جارَه. ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليكرمْ ضيفَه))، الراوي: أبو هريرة | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: 47 | خلاصة حكم المحدث: صحيح
[v]  ((لا يدخُلُ الجنَّةَ مَن لا يأمَنُ جارُه بوائِقَه))، الراوي: أبو هريرة | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم| الصفحة أو الرقم: 46 | خلاصة حكم المحدث: صحيح
[vi]  ((والذي نفسي بِيَدِه، لا يؤمِنُ عَبدٌ حتى يحِبَّ لِجارهِ- أو قال لأخيه- ما يحِبُّ لِنَفسِه))، الراوي: أنس بن مالك | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم| الصفحة أو الرقم: 45 | خلاصة حكم المحدث: صحيح
[vii]  ((خيْرُ الْأَصْحابِ عِنْد اللهِ خيْرُهُم لِصَاحِبِه، وخيْرُ الجيرانِ عنْدَ اللهِ خيْرُهُم لِجارِه))، الراوي: عبد الله بن عمرو | المحدث: الترمذي | المصدر: سنن الترمذي |الصفحة أو الرقم: 1944 | خلاصة حكم المحدث: حسن غريب
[viii]  ((مَن يأخذُ مِن أمَّتي خمسَ خِصالٍ فيعمَلُ بِهِنَّ، أو يعلِّمُهُنَّ من يَعملُ بِهِنَّ؟ قالَ: قلتُ أَنا يا رسولَ اللَّهِ. قالَ: فأخذَ بِيدي فعدَّهنَّ فيها ثمَّ قالَ اتَّقِ المَحارمَ تَكُن أعبَدَ النَّاسِ، وارضَ بما قسمَ اللَّهُ لَكَ تَكُن أَغنى النَّاسِ، وأحسِن إلى جارِكَ تَكُن مُؤنًا، وأحبَّ للنَّاسِ ما تُحبُّ لنفسِكَ تَكُن مُسلِمًا، ولا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فإنَّ كثرةَ الضَّحِكِ تُميتُ القلبَ))، الراوي: أبو هريرة | المحدث: أحمد شاكر | المصدر: مسند أحمد | الصفحة أو الرقم: 15/228 | خلاصة حكم المحدث: في إسناده ضعف ولكنه يكون صحيح لغيره
[ix]   جاء رجل إلى النبي r  يشكو جاره، فقال: ((اذهب فاصبر)) فأتاه مرتين أو ثلاثا فقال: ((اذهب فاطرح متاعك في الطريق)). فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه: فعل الله به، وفعل، وفعل، فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه، الراوي: أبو هريرة | المحدث: أبو داود | المصدر: سنن أبي داود | الصفحة أو الرقم: 5153 | خلاصة حكم المحدث: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح]
[x]  الجار أحق بشفعة جاره: ينتظر بها وإن كان غائبًا، إذا كان طريقهما واحدا | الراوي: جابر بن عبد الله | المحدث: أبو داود | المصدر: سنن أبي داود | الصفحة أو الرقم: 3518 | خلاصة حكم المحدث: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح]
[xi]  ((تَعوَّذوا باللَّهِ من شرِّ جارِ المُقامِ فإنَّ جارَ المسافِرِ إذا شاءَ أن يزالَ زالَ))، الراوي: أبو هريرة | المحدث: أحمد شاكر | المصدر: مسند أحمد | الصفحة أو الرقم: 16/229 | خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
[xii]  يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فِرْسن شاة))، الراوي: أبو هريرة | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 2566 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذرٍّ! إذا طبَخت مرَقةً، فأكثِرْ ماءَها، وتعاهَدْ جِيرانَك))، الراوي: أبو ذر الغفاري | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: 2625 | خلاصة حكم المحدث: صحيح
[xiii]  قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنْتُ وَإِذَا أَسَأْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ((إِذَا سَمِعْتَ جِيرَانَكَ يَقُولُونَ قَدْ أَحْسَنْتَ فَقَدْ أَحْسَنْتَ وَإِذَا سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ قَدْ أَسَأْتَ فَقَدْ أَسَأْتَ))، الراوي: عبد الله بن مسعود | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح ابن ماجه | الصفحة أو الرقم: 3421 | خلاصة حكم المحدث: صحيح
[xiv]  في جواب جعفر بن أبي طالب للنجاشي حين سأله عن هذا الدين الجديد، فقال له جعفر: "أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّة، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ؛ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَام -فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الإِسْلام- فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا"، لراوي : أم سلمة هند بنت أبي أمية | المحدث: أحمد شاكر | المصدر: مسند أحمد | الصفحة أو الرقم: 3/180 | خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
[xv]   قالَ رسولُ اللَّهِ r  لأصحابِهِ: ((ما تقولونَ في الزِّنا؟)) قالوا: حرمَهُ اللَّهُ ورسولُهُ، هو حرامٌ إلى يومِ القيامةِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ r: ((لأن يزنيَ الرَّجلُ بعشرِ نسوةٍ أيسرُ عليهِ مِن أن يزنيَ بحليلةِ جارِهِ)) ، قال: ((ما تقولونَ في السَّرقةِ ؟)) قالوا: حرَّمَها اللَّهُ ورسولُهُ، فهي حرامٌ إلى يومِ القيامةِ، قالَ: ((لأن يسرقَ الرَّجلُ من عشرةِ أبياتٍ أيسرُ عليهِ من أن يسرقَ من جارِهِ))، الراوي: المقداد بن الأسود | المحدث: أحمد شاكر | المصدر: عمدة التفسير | الصفحة أو الرقم: 1/504 | خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
[xvi]  سألتُ النبيَّ r: أيُّ الذنبِ أعظمُ عندَ اللهِ قال: ((أنْ تجعل للهِ نِدًّا وهو خلقَك)). قلتُ: إنَّ ذلك لعظيمٌ، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: ((وأنْ تقتلَ ولدَك تخافُ أن يَطعمَ معكَ)) . قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: ((أن تُزاني حليلةَ جارِكَ))، الراوي: عبد الله بن مسعود | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 4477 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[xvii]  قال رسول الله r: ((لا تحل الصدقة لغني إلا: في سبيل الله، وابن السبيل، أو جار فقير يُتصدَّق عليه، فيهدي لك أو يدعوك))، الراوي: أبو سعيد الخدري | المحدث: أبو داود | المصدر: سنن أبي داود | الصفحة أو الرقم: 1637 | خلاصة حكم المحدث: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح]
[xviii]   ابن أُخْتي، إنْ كنا لننظرُ إلى الهلالِ، ثم الهلالِ، ثلاثة أهِلَّةٍ في شهرينِ، وما أوقِدَتْ في أبْياتِ رسول الله r نارٌ. فقُلْت: يا خَالَةُ، ما كان يُعِيشُكم؟ قالتْ: الأسودانِ التمرُ والماءُ، إلا أنه قد كان لرسول الله r جيرانٌ من الأنصارِ، كانت لهم منائِحُ، وكانوا يَمنحونَ رسول الله r من ألبانِهِم فيَسْقينا. الراوي: عائشة أم المؤمنين | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري| الصفحة أو الرقم: 2567 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[xix]  (تنبيه الغافلين 1/ 153، وتفسير القرطبي 5/184، وفتح الباري 10/441)